البرازيل، حضور دائم وتألق متواصل

من كان يصدق أن دونجا سيتحول من مدرب غير مرغوب فيه إلى صانع إنجازات
وانتصارات تاريخية في ظرف سنة واحدة؟ كلنا نتذكر موقعة الكلاسيكو بين
البرازيل والأرجنتين في شهر يونيو\حزيران 2008 على ملعب مدينة بيلو
هوريزونتي، عندما انهالت الجماهير البرازيلية على مدرب فريقها بوابل من
الشتائم وصافرات الاستهجان، في الوقت الذي اعتلت فيه صيحات أخرى مطالبة
بإبعاده عن دفة المنتخب قبل وقوع الكارثة. كل هذا السخط والاحتجاج نزل على
رأس دونجا بسبب تعادل فريقه أمام غريمه التقليدي بدون أهداف.



واليوم، بعد مرور 15 شهراً على تلك الواقعة، ها هو ابن السيليساو يؤكد
أحقيته بالإشراف على الإدارة الفنية لأقوى منتخب في العالم، حيث نال
احترام وتقدير كل المتتبعين بعدما قاد البرازيل إلى الفوز بلقب كأس
القارات FIFA في جنوب أفريقيا وحجز أول بطاقة مؤهلة إلى كأس العالم FIFA
2010 من بين المنتخبات العشرة المتبارية في أمريكا الجنوبية. كما أعاد
دونجا الاعتبار لنفسه بأفضل طريقة ممكنة. فإذا كانت نتيجة مباراة الذهاب
أمام الأرجنتين سبباً في أغلب المصاعب التي واجهها مدرب السيليساو على مدى
سنة كاملة، فإن الفوز الكبير الذي حققه لاعبوه في موقعة الإياب على أرض
نجوم التانجو وأمام جمهورهم كان بمثابة أفضل رد على الانتقادات والشتائم،
إذ احتفلت الجماهير البرازيلية بالانتصار المقنع في عقر دار الغريم
التقليدي إضافة إلى التأهل للعرس الكروي العالمي على بعد ثلاث جولات من
نهاية مرحلة التصفيات.



وأوضح دونجا عقب فوز فريقه 3-1 في موقعة روزاريو أن "تحقيق التأهل بهذه
الطريقة يعد مفخرة كبيرة للبرازيليين، كما يُؤكد أهمية العمل الجبار الذي
قمنا به في مرحلة الاستعدادات...لقد حاولنا بث الحماس في اللاعبين منذ
التحاقنا بالمنتخب، إذ حاولنا أن نجعل منهم مقاتلين فوق أرضية الملعب".


وأضاف مدرب السيليساو، الذي كان يحمل شارة الكابتن عندما فازت البرازيل
باللقب العالمي سنة 1994: "كان هدفنا هو جعل اللاعبين يخوضون المنافسات
بحيوية ونشاط وتمثيل البلاد بكل فخر واعتزاز. لقد نجحوا في ذلك طوال هذه
الفترة، حيث حافظوا على تركيزهم بشكل مثالي وأعطوا كل ما في وسعهم خلال
المباريات. ولهذا فإننا نشعر بسعادة كبيرة لهذه النتيجة. لقد سارت الأمور
في الاتجاه الذي كنا نتمناه وتمكنا في النهاية من تحقيق الهدف المنشود."



أرقام وإنجازات تاريخية




قبل دونجا تولي مسؤولية جسيمة تمثلت في تأهيل المنتخب الوحيد الذي شارك في
جميع نهائيات كأس العالم FIFA. وإذا كان البعض يرى في ذلك مجازفة لأسطورة
ما زال في بداية مشواره التدريبي، فإن القائد السابق لمنتخب السيليساو
يعتبر ذلك تحدياً لا بد منه واختباراً جديداً لشخصيته وإمكانياته.



وتبدو الحصيلة إيجابية بالنظر إلى سجل منتخب البرازيل في عهد دونجا، إذ
حقق الفريق تحت إمرته 10 انتصارات من أصل 18 مباراة (ودية ودولية) لم يذق
فيها نجوم السامبا الهزيمة ولو مرة واحدة. كما حصد السيليساو 30 نقطة في
التصفيات المؤهلة لجنوب أفريقيا 2010، محققاً انتصارات ثمينة خارج ملعبه
أمام عمالقة من حجم تشيلي وأورجواي والأرجنتين. أما آخر هزيمة له فتعود
إلى 15 يونيو 2008 على يد باراجواي (0-2). وعندما نتحدث عن البرازيل لا بد
وأن نذكر أهدافها، إذ يشكل كاكا ورفاقه أقوى خط هجوم في التصفيات بعدما
تمكنوا من هز شباك خصومهم 28 مرة، بينما تلقت مرماهم 7 أهداف فقط.



وبطبيعة الحال، لم تحتفل الجماهير البرازيلية بتلك الانتصارات بقدر ما
احتفلت بالفوز التاريخي الذي حققه أبطالها يوم السبت 5 سبتمبر\أيلول 2009
في روزاريو. وهو ما يؤكده الكابتن لوسيو، موضحاً أن أعضاء الفريق يعيشون
"فرحة ما بعدها فرحة. كيف لا ونحن حققنا تأهلنا في قلب الأرجنتين. إنه
شعور خاص بالنظر إلى العداوة بين الفريقين. إنه الإحساس بإتمام المهمة على
أكمل وجه، وهو إحساس بفرحة مضاعفة بالنظر إلى ظروف تحقيق هذا الإنجاز."



من حق كابتن السيليساو أن يفرح ويسعد بفريقه، إذ قاد زملاءه للفوز بمهرجان
الأبطال قبل ثلاثة أشهر، وها هو الآن يقودهم إلى مشاركة جديدة في عروس
البطولات، حيث سيكون المنتخب البرازيلي من دون شك مرشحاً بقوة لإضافة لقب
عالمي سادس إلى سجله الفريد. وفي تصريح عقب موقعة روزاريو، أكد لوسيو
قائلا: "كنا ندرك جيداً مدى صعوبة المباراة، لكننا بذلنا جهداً كبيراً
لامتصاص ضغط اللقاء والحفاظ على رباطة جأشنا حتى نجحنا في اقتناص نقاط
الفوز. وأهم شيء هو أننا بدأنا نجني الانتصار تلو الآخر. وبتأهلنا اليوم،
سنخوض المباريات المتبقية بشيء من الارتياح والهدوء من أجل تحسين بعض
الجوانب قبل حلول موعد المونديال."



مفاتيح الانتصار




يؤكد دونجا أنه لم يعتمد وصفة سحرية لتحقيق الفوز على مارادونا، حيث صرح
مدرب السيليساو قائلا: "لقد تحدثت إلى اللاعبين قبل بداية المباراة. قلت
لهم أننا إذا أنهينا الدقائق التسعين بإحدى عشر لاعباً فوق أرضية الملعب،
فإن الفوز سيكون من نصيبنا. لا أريد أن يقع أحدكم في شجار أو عراك مع لاعب
آخر، لا أريدكم أن تحصلوا على بطاقات صفراء. إذا نجحنا في ذلك، فإننا
سنحقق الانتصار."



وهذا ما حصل بالفعل. فبالإضافة إلى الحفاظ على تركيزهم وبرودة أعصابهم
طوال المباراة، عرف نجوم السامبا من أين تؤكل الكتف، فضربوا بقوة في الوقت
المناسب والمكان المناسب، حيث سجلوا هدفين حاسمين في ظرف ست دقائق، كما
أحرزوا الثالث بعد لحظات قليلة من تسجيل هدف الأرجنتين الوحيد.



وأوضح صاحب الهدفين، لويس فابيانو، أن "الهدف الثالث كان غاية في الأهمية،
لأنه جاء مباشرة بعد نجاحهم في هز شباكنا. فبعدما بدأت الجماهير تدعم
فريقها بشكل حماسي وتؤمن بإمكانية عودته في النتيجة، أرسلت كرة داخل
مرماهم نزلت كقطعة الثلج البارد على المشجعين."



بأدائه المتألق ونجاحه الباهر أمام دفاعات الخصوم، أكد فابيانو (إل
فابولوسو) أحقيته بارتداء القميص رقم 9 في صفوف المنتخب البرازيلي، وهو
القميص الذي لم يجرؤ أحد على ارتداؤه منذ رحيل رونالدو عن السيليساو.
وبعدما تألق في كأس القاراتFIFA شهر يونيو\حزيران الماضي بتربعه على عرش
هدافي البطولة، بات مهاجم إشبيلية يتصدر قائمة هدافي تصفيات أمريكا
الجنوبية برصيد ثمانية أهداف كاملة على بعد ثلاث جولات من النهاية.



لكن الهدف الأسمى لفابيانو وباقي زملائه يتمثل في اعتلاء منصة التتويج
العالمية للمرة السادسة في تاريخ البرازيل. ويؤكد المدرب دونجا أن "مفتاح
هذه الإنجازات يكمن في العلاقة الوطيدة بين الجهاز الفني واللاعبين." لا
أقل ولا أكثر!